الساعة تشير إلى الثانية صباحاً…حجرة نوم واسعة يتوسطها سرير كبير تشير تصميماته إلى جودة صنعه وبهظ ثمنه…في الحائط المباشر لباب الغرفة نافذتان مزينتان بستائر لاتقل فخامة وبساطة عن السرير الكبير…أما في الحائط الآخر فتتوسطه تسريحة هى جزء من تصميم باقي الحجرة أو كما يصبح يطلق عليها مؤخراً ( دريسير).
كل شئ يبدو منمقاً راقداً في مكانه، الوقت ليل وكل المدينة نائمة، حتى أصبح الأرق كوصمة عار تحاول أن تتبرأ منها أو تقبلها ببجاحة لص متلبس بسرقة مال دار أيتام . الظلام يملئ المدينه ويلقى بستائره على تللك الحجرة إلا من ضوء هادئ يأتي من التلفاز المعلق في منتصف الحائط الرابع.
على السرير …ترقد هي …تراها نائمة مغمضة العينين…تتنكر من ذلك اللص الذي يجلب لها المشاكل…حاولت معه بكل الطرق كي يتركها ولكنه ثابت على موقفه لايتزحزح رغم المهدئات والمنومات والعلاجات النفسية والدوائية وتمارين الإسترخاء واليوجا والرسم والتأمل والهاتف والكتابه والقراءه وكل ماهو جديد في محاربة هذا اللص اللعين المسمى بالأرق.
يتسلل صوت كاظم الساهر في خفة وحياء إلى ذلك الفراغ ليملئه بطاقة كلمات نزار قباني (أحبك جدا )
أحبك جداً
وأعرف أني أعيش بمنفى
وأنت بمنفى
وبيني وبينك
ريحٌ وغيمٌ وبرقٌ ورعدٌ
وثلجٌ ونـار
وأعرف أن الوصول لعينيك وهمٌ
وأعرف أن الوصول إليك انتحـار
ويسعدني أن أمزق نفسي لأجلك أيتها الغالية
ولو خيروني لكررت حبك للمرة الثانية
يا من غزلت قميصك من ورقات الشجر
أيا من حميتك بالصبر من قطرات المطر
أحبك جداً وأعرف أني أسافر في بحر عينيك دون يقين
وأترك عقلي ورائي
وأركض
أركض
أركض
خلف جنونـي
أيا امرأة تمسك القلب بين يديها
سألتك بالله لا تتركيني
لا لا لا تتركيني
فماذا أكون أنا إذا لم تكوني
أحبك جداً وجداً وجداً وأرفض من نــار حبك أن أستقيلا
وهل يستطيع المتيم بالعشق أن يستقلا
وما همني إن خرجت من الحب حيا
تنسى الأرق والغرفة والظلام والنوافذ والتسريحه والسرير الكبير والتلفاز والستائر المسدلة والساعه والأدوية الكثيرة جداً التى بجانبها على الكومود …..تنسى اللص وتنسى دار الأيتام ….وتذهب بعيداً بعيداً بعيداً بعيداً بعيداً
الثانية وخمس دقائق صباحاً….يفتح باب الغرفة بهدوء …وقع أقدام يخاف صاحبها أن يحدث جلبة حتى لايوقظها…يتسلل …يقترب من التلفاز…يحاول أن يرى في عتمة الغرفة …يحاول ويحاول ويحاول….حتى أستطاع أن…يغلق التلفاز
رفع قدميه من على الأرض وألقى برأسه على المخده بجانبها على السرير…….نظر إليها طويلاً نظرة الزهو التى تلمع في عين صياد ربح جائزة الصيد الكبرى…ثم طبع قبلة على جبينها وتنهدأ فخوراً بنفسه قائلاً كم أنت جميلة !!!!!
أما هي !!!
فكما هي.