الإدمان ليس وليد اللحظة التى يتعاطى فيها مريض الإدمان للمخدر لأول مرة ،بل يقف وراء تلك اللحظة العديد من العوامل والمتغيرات،التى تسهم فى إستمراريتة فى التعاطى إلى أن يصل إلى مرحلة الإدمان، وهناك العديد من المؤشرات التى تظهر أن الإدمان لا يبدأ فى اللحظة التى يقبل فيها المدمن على تعاطى المخدر، من أهمها أن هناك العديد من الأفراد قد تعاطوا المخدرات من قبل ولكنهم لم يدمنوها، وهناك من تعاطى لأول مرة ثم استمر فى التعاطى إلى أن وصل إلى مرحلة الإدمان ، والسؤال المهم هنا..
( ما العامل الرئيسى الذى يجعل شخصا يجرب المخدرات لأول مرة ثم يرفض الاستمرار فى تعاطيها؟)، ومن جانب آخر نجد شخصا آخر يجرب تعاطى المخدر، ولكن يجد لديه رغبة فى الاستمرار فى التعاطى حتى الوصول إلى مرحلة الإدمان؟
وعلى الرغم من أن كلا الشخصين شعرا بنفس المتعة والنشوة والسعادة التى يمنحها المخدر لكليهما، إلا أن الشخص الذى استمر فى التعاطي تحول إلى مريض بالإدمان بالفعل ،بينما الشخص الأخر لم يتحول إلى مريض بالإدمان، ومن هذا المنطلق نرى أن هذا الشخص الذى تحول إلى مريض بالإدمان بالفعل هو بالأساس شخص يملك من الاستعداد النفسى ما يجعله مريضا دون غيره، وأن هذا الاستعداد ناتج عن قصور أساسى فى بناء شخصيته، بمعنى أن بناء شخصيته لم يكتمل بالشكل الذى يجعله يستطيع أن يتمتع بمستوى التوافق النفسى الذى يتمتع به الأسوياء، ومع بداية التعاطى يعمل المخدر على إكمال ذلك الجزء الناقص فى شخصيته من خلال منحه الشعور بالثقة ،أو تغلبه على مشاعر الإحساس بالدونية وتعويضه عن كل ما يفتقده المريض من مهارات يرى أنها تنقصه، إذن فإن الأصل فى الإدمان ليس مجرد إحساس المريض بالنشوة والسعادة التى يجلبها له المخدر ولكنها حالة الاعتمادية على المخدر
، والتى أشبه ما تكون علاقة تكميلية يقوم فيها المخدر بدور تكميلى لإرساء دعائم البناء النفسى الهش لمريض الإدمان .
ومما سبق يتضح أن مريض الإدمان قبل إدمانه كان يعانى من قصور فى بناء شخصيته الأمر الذى يجعله يبحث عما يعوض له هذا القصور، وعندما يجرب المخدر لأول مرة فهو يكون أشبه بالتائه الذى وجد ضالته فيجد فى المخدر الحل السحرى لكل ما يفتقده ويرغب فى تحقيقه ،لذلك فقد أطلق تشبيها لعلاقة المريض بالمخدر، وكأنها أشبه (برحلة البحث عن الذات) ،بمعنى أن مريض الإدمان لا يحب المخدر لأنه يمنحه شعورا بالمتعة والنشوة والسعادة فقط ، ولكنه يبحث بالأساس عن ما يقوم به المخدر من تعويض القصور الذى يعانى منه ،حيث يمنحه المخدر شعورا قويا بالثقة ، والقدرة على التواصل بمهارة مع كل من حوله، وما يقدمه المخدر من حلول سحرية فى القضاء على مشاعر الخجل الاجتماعي والإحساس بالدونية، ومن هنا فإن المريض فى رحلة البحث عن ذاته يجد فى المخدر علاجا للاضطراب الذى يعانيه فى شخصيته تحقيقا للذات التى كان يرغب فيها، أو بتعبير آخر تحقيق الذات التى كان يفتقدها، فتتحول العلاقة بينه وبين المخدر من علاقة شخص بمادة إدمانية تشعره بالمتعة والنشوة إلى علاقة من نوع آخر، وهى العلاقة (الاعتمادية ) ، حيث يعتمد على المخدر فى التواصل مع الآخرين ، وفى إدارة شئون حياته للدرجة التى يصل فيها إلى شعوره بان حياته قد تتعطل نهائيا فى حالة عدم تعاطيه لجرعته المعتادة يوميا، ويشعر أنه بدون المخدر سوف يصبح غير قادر على إدارة شئون حياته ، كما أنه يشعر بأنه غير قادر على القيام بالمهام المنوط له القيام بها للحد الذى يصل إلى شعور المريض بأنه لا يشعر بأنه شخص طبيعي، إلا إذا تعاطى المخدر، وأنه فى حال إذا لم يتعاطَ المخدر فإنه يشعر بأن هناك شيئا ما ينقصه ،بل أن حياته يمكن أن تتوقف،وفى النهاية يتحول ما يعانيه المريض إلى ما يسمى بالشخصية الإدمانية.