مجرد لمبة

إن الانتحار ظاهرة غريبة !! ..
أنها ظاهرة غريبة حينما تصدر عن مجتمع عصري .. متمدن .. أنهم يقولون ان الانتحار زهد في الحياة .. ورفض للملذات .. ولكنه في الحقيقة حب للحياة .. وتهافت على الملذات !! ..
حب مريض يائس و تهافت أناني !!..

إن المنتحر يحب حياته لدرجة لا يحتمل معها فقدان اي شيء .. السعادات الصغيرة تبرق تحت عينه الشرهة .. و الآلآم الصغيرة تعضه في قلبه ..‏ والحرمان يتمثل له في شكل كابوس رهيب ‏ابشع من الموت !! ..

أنه كالعاشق الذي يهرب من عشيقته من فرط هيامه بها .. لأنه يخشى الفراق !! .. إن قلبه يتفطر حبًا‏ .. ولكن ساقيه ترتجفان من الذعر والهلع .. فلا يجد وسيلة للتعبير عن حبه إلا الجري ..
وهو أناني يطالب الدنيا بأكثر مما تستطيع ‏ولا يحاول أن يدفع الثمن !! ..
إذا نفخ على الجليد فلم يتحول إلى قمح .. لطم على خديه .‏. وشق ثوبه وبكى واشتكى لأنه مظلوم .. منحوس الطالع !! .. وإذا غابت الشمس قبل أن يتدفأ بها لعن الشمس .. لأنها تتآمر على حرمانه ..

أنه يمثل إرادة مريضة اختل فيها التوازن ‏فهي بدل أن تتكيف مع الظروف .. تحاول أن تكيف الظروف حسب هواها .. تحاول أن تفعل هذا في تعسف وعجلة و أنانية !! .. لا تعرف معنى للصبر ولا للجهد ..

وحينما تصطدم هذه الإرادة بالمستحيل ‏لا ترتد إلى العقل ولكنها تتمرد .. وتتهم الوجود كله بالظلم .. وتلقى عليه عبء الفشل وتصمم على محوه ..

ويبلغ جنون المنتحر ذروته في لحظه الانتحار .. ‏فيبدأ فعلا في محو الوجود.. بمحو نفسه ..‏ وتكون النهاية ان يؤكد ‏ذاته بإحداث العكس .. بإعدام ذاته !! ..

جزء من مقال ” لا تقتل نفسك “
كتاب ” الله والإنسان”

دكتور مصطفى محمود